شجَنٌ من وحيِ الوطن
"ما ضل النا شي بسورية" أكثر جملة صرتُ أسمعها في الآونة الأخيرة، بالواقع يتفاوت إحساس السوريين..
كل واحدٍ منهم يختلف إحساسه عن الآخر بقدر مَن وماذا فقد، أبوه..أمه..أخوه..أخته.. ابنه أو ابنته.. قريبه.. صديقه.. عائلته بأكملها... بيته.. نحنُ بالواقع نفقدُ قطعَ أرواحنا قطعةً قطعةً.. إلى أن يأتي اليوم الذي يحتضر وينحسر فيه أملنا في هذا الوطن، لنقول بصوت مرتجف وقلب واهن واجف: ما ضل النا شيء بسورية... ونحنُ نعني تماماً: ما ضل النا شي بأرواحنا..| وحسبنا الله.. "لا شيءَ إلا أمانينا تُصبّرُنا..." على مذهب الشاعر المغترب، وعلى مذهب كل راحل عن ذلك الوطن ولم يبرح ذلك الوطن فؤادَه ولو للحظة..
_
_
وعلى غرار ما يقول محمود درويش في أبياته الذائعة:
إن أعادوا لك المقاهي القديمة فمن يعيد لك الرفاق؟!
نصدحُ نحن السوريون بكلّ ما أُوتينا من ثورة: إن أعادوا لنا الوطن فمن يعيد لنا أهلنا؟! إن أعادوا لنا الحجر فمن يعيد لنا البشر؟
_
لا أذيعُ سراً حين أخبرك أنني ظننتها ثورةَ شعبٍ فإذا هي ثورةُ أمّة، وظننتها ستنتهي فإذا هي نحنُ، لا نحيدُ عنها، ولا تموتُ فينا..
ربما تُدرك في يوم من الأيام، مهما كنتَ وطنياً تظنّ أن أرضاً ما هي وطنُك ومنفاك، أن الوطن أرواح وليس أحجاراً أوأرضاً.. ستؤمن بذلك كما يؤمن بذلك كل غريب، هل نظرتَ سابقاً إلى تلك البلاد؟ أما أنا فقد كان يأسرني الجامع الأموي ببهائه الأخاّذ والطيور تحلق حول مآذنه أو تهبط على ساحاته سلاماً وملاذاً، ويذهب منظر الفرات الصافي بلبّي، وإلى اليوم تمرّ بمسمعي ذكرى عابرة لهدير مائه وأصغي إليها بدهشةٍ حالمة كما لو كنتُ أصغي إلى قصيدةٍ من عيون الشعر العربيّ، وتسحرني طبيعة الغوطة التي تتخلل أراضيَها أصابعُ بردى الحانية فيتفجرّ الاخضرار فيها من كل حدب وصوب أشجارَ زيتون وأعناب.. ومع ذلك ما قيمة تلك الديار وقد رحل أهلها؟
يبكيني نزار إذ يقول: "يا شام يا شامة الدنيا ووردتَها... وددتُ لو زرعوني فيك مئذنةً أو علقوني على الأبواب قنديلا"... وأرى وصمة عارٍ على جبين العروبة التي ثكلتنا أو ثكلناها حين يستنهضُ هذا الشاعر الدمشقي خالدَ بن الوليد الراقد في قبره في حمص ويستجديه سيفَه وبطولَته؛ "فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا"!... لكن كلماته تطبطب عليّ مرة أخرى حين يخاطب الظلمة: " لئن قتلتم خالداً فسوف يأتي عمرو، ولئن سحقتم وردةً فسوف يبقى العطر"... أجل، نحن مرابطون على الحب والأمل بالله | كتب أحد السوريين على جدار منزله المقصوف:
"في النا شي بهالبلد وبدنا ناخدو".. الحرب يا عم أخذت منا الكثير ولم نأخذه بعد... لكننا لن نبرح حتى نأخذ|
اللهمّ أهل الشام وديار الشام..وعودةً إلى الشام تروي بها أرواحَنا بعد هذا الظمأ الطويل الطويل.. اللهمّ لئن أحييتنا في غربة فاقبضنا بين أهلنا في الشام| شكراً لأنك شاركتني أشجاني ووصلت إلى هنا بالقراءة..|
تعليقات
إرسال تعليق