فوائد مقتنصة مِن كتاب: عِدَة الصابرين وذخيرة الشاكرين. | للإمام ابن قيّم الجوزية -عليه أندى الرّحمات. | من ص1 حتى ص 150
فوائد مقتنصة مِن كتاب: عِدَة الصابرين وذخيرة الشاكرين. | للإمام ابن قيّم الجوزية -عليه أندى الرّحمات. | من ص1 حتى ص 150
1. إظهار البلاء على غير وجه الشكوى لا ينافي الصبر.
2. الجزع قرين العجز وشقيقه، والصبر قرين الكيس ومادته.
3. الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.
4. النفس فيها قوتان، قوّة الإقدام وقوة الإحجام، فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوّة الإحجام إمساكاً عمّا يضره.
5. قيل: الصبر ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الهوى والشهوة.
6. ...فإنسانٌ منّا إذا غلبَ صبرُه باعث الهوى والشهوة التحق بالملائكة، وإن غلبَ باعثُ الهوى والشهوة صبرَه التحق بالشياطين، وإن غلب باعثُ طبعِهِ من الأكل والشرب والجماع صبرَه التحق بالبهائم.
قال قتادة: خلقَ الله الملائكة عقولاً بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلاً وشهوة، فمن غلب عقلُه شهوتَه فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوتُه عقلَه فهو كالبهائم.
7. الصبر على الواجب واجب وعنه حرام، والصبر عن الحرام واجب وعليه حرام، والصبر على المستحب مستحب وعنه مكروه، والصبر على المكروه مكروه وعنه مستحب، والصبر عن المباح مباح، والله أعلم.
8. في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دعوة أخي ذي نون إذ دعا بها في بطن الحوت، ما دعا بها مكروبٌ إلا فرَّجَ اللهُ عنهُ: لا إلهَ إلا أنتَ سبحانكَ إنِّي كنتُ من الظَّالمين".
9. الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى لا تنافي الصبر الجزيل، بل إعراض عبده عن الشكوى جملةً وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر، والله سبحانه وتعالى يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه.
النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من لم يسأل الله يغضب عليه". إسناده حسن.
ومن جميل الشعر:
لا تسألنّ بنيّ آدم حاجةً...وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله..وبنيُّ آدامَ حين يسألُ يغضبُ
10. من تعلّق بصفة من صفات الله تعالى أدخلته تلك الصفة عليه وأوصلته إليه، والرّب تعالى يحبّ أسماءه وصفاته ويحب مقتضى صفاته وظهور آثارها في العبد، فإنه جميلٌ يحبّ الجمال، صبورٌ يحبّ الصابرين، وتر يحبّ أهل الوتر .....، وإذا كان سبحانه يحب المتصفين بآثار صفاته فهو معهم بحسب نصيبهم من هذا الاتصاف.
11. الأسباب التي تعين على الصبر:
أولاً: إضعاف باعث الهوى والشهوة:
- أن يحسم مادة قوة الشهوة بتقليلها، فإن لم تنحسم بادر إلى الصوم، فإنه يضعف مجاري الشهوة ويكسر حدتها، ولا سيما إذا كان أكله وقت الفطر معتدلاً.
- ليقصر لجام طرفه ما أمكنه، فإن داعي الإرادة والشهوة إنما يهيج بالنظر، والنظر يحرك القلب بالشهوة.
- تسلية النفس بالمباح المعوض عن الحرام، فإن كلما يشتهيه الطبع ففيما أباحه الله سبحانه غنية عنه.
- التفكر في المفاسد الدنيوية المتوقعة من قضاء هذا الوطر، فإنه لو لم يكن جنة ولا نار لكان في المفاسد الدنيوية ما ينهى عن إجابة هذا الداعي، ولكن عين الهوى عمياء.
- الفكرة في مقابح الصورة التي تدعوه نفسه إليها إن كانت معروفة بالإجابة له ولغيره.
ثانياً: تقوية باعث الدين:
-إجلال الله تبارك وتعالى أن يُعصى وهو يرى ويسمع، ومن قام بقلبه مشهد إجلاله لم يطاوعه قلبه لذلك ألبتة.
-مشهد محبته سبحانه، فيترك معصيته محبةً له، فـ (إنّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ).
-مشهد النعمة والإحسان... فليمنعه مشهد إحسان الله ونعمته عن معصيته حياءً منه أن يكون خير الله وإنعامه نازلاً إليه، ومخالفاته ومعاصيه وقبائحه صاعدة إلى ربّه.
-مشهد الغضب والانتقام، فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب.
-مشهد الفوات وهو مايفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة، ويكفي في هذا المشهد مشهد فوات الإيمان الذي أدنى مثقال ذرة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها أضعافاً مضاعفة، فكيف أن يبيعه بشهوة تذهب لذتها وتبقى تبعتها، تذهب الشهوة وتبقى الشقوة، وقد صحّ عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".
-مشهد القهر والظفر، فإنّ قهر الشهوة والظفر بالشيطان له حلاوة.
-مشهد العوض، وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها.
-مشهد المعية، وهو نوعان: معية عامة وهي اطلاع الله عليه، وخاصة، وهي المقصودة كقوله: "إنّ الله معَ الصابرين".
-مشهد المغافصة (المفاجأة) والمعاجلة، وهو أن يخاف أن يغافصه الأجل فيأخذه الله على غرّة فيحال بينه وبين ما يشتهي من لذات الآخرة، فيالها من حسرة ما أمرّها وما أصعبها.
-مشهد البلاء والعافية، فإن البلاء في الحقيقة ليس إلا الذنوب وعواقبها، والعافية المطلقة هي الطاعات وعواقبها، فأهل البلاء هم أهل المعصية وإن عوفيت أبدانهم، وأهل العافية هم أهل الطاعة وإن مرضت أبدانهم.
-أن يعوِّد باعث الدين ودواعيه مصارعة داعي الشهوة ومقاومته على التدريج قليلاً قليلاً.
-كفّ الباطل عن حديث النفس، وإذا مرت به الخواطر نفاها.
-أن يصرف هواه إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد الرب تعالى.
-التفكر في الدنيا وسرعة زوالها وانقضائها.
-صرف الفكر إلى عجائب آيات الله التي ندب عباده إلى التفكر فيها، وهي آياته المتلوة وآياته المجلوة، فإذا استولى ذلك على قلبه دفع عنه وساوس الشيطان بإذن الله.
-تعرضه إلى من القلوب بين أصبعيه، وأزمّة الأمور بيديه، وانتهاء كل شيء إليه على الدوام.
-أن يعلم العبد أن فيه جاذبين متضادين، ومحنته بين الجاذبين: جاذب يجذبه إلى الرفيق الأعلى من أهل عليين، وجاذب يجذبه إلى أسفل سافلين، وكل امرئ يصبو إلى ما يناسبه وقد قال تعالى: "قل كلٌّ يعمل على شاكلته".
فالنفوس العلوية تنجذب بذاته وهمتها وأعمالها إلى أعلى، والنفوس السافلة إلى أسفل.
-أن يعلم العبد أن تفريغ القلب من إرادة السوء وخواطره شرط لنزول غيث الرحمة..... فإنّ فضل الله لا يرده إلا المانع الذي في العبد.
-أن يعلم العبد أن الله خلقه لبقاء وعز وأمن وغناء ولذة وكمال، وأنه إنما امتحنه بهذه الدار بما يؤول به إلى عكس ما أجله الله له.
-لا بدّ بعد العلم بما سبق العمل به وبذل الجهد، وملاك ذلك الخروج عن العوائد فإنها أعداء الكمال والفلاح.
(مُلخّصة).
12. مَن أُعطيَ منشور الدعاء أُعطيَ الإجابة، فإنه لو لم يرد إجابته لما ألهمه الدعاء.
13. الرب تعالى ينعم على عبده بابتلائه، ويعطيه بحرمانه....، فلا يستوحش عبده من حالة تسوؤه أصلاً إلا إذا كانت تغضبه عليه وتبعده منه.
فلا يستوحش العبد من ظاهر الحال، فإن الله يعامل عبده معاملة من ليس كمثله شيء في أفعاله، كما ليس كمثله شيء في صفاته،
فإنه ما أمرضه إلا ليشفيه وما أفقره إلا ليغنيه وما أخرج أبوهما من الجنة إلا ليعيدهما إليها على أكمل حال.
14. إنّ العبد إذا ملكَ شهوتَه وغضبَه فانقادا معه لداعي الدين فهو الملك حقاً، لأنّ صاحب هذا الملك حر، والملك المنقاد لشهوته وغضبه عبد شهوته وغضبه، فهو مسخّر مملوك في زيِّ مالك، يقوده زمام الشهوة والغضب كما يُقاد البعير.
15. العبد أحوج إلى الصبر في الأمور الموافقة لهواه من وجوه:
- ألا يركن إليها ولا يغتر بها، ولا تحمله على البطر، والفرح المذموم الذي لا يحبُّ الله أهله.
-
- ألا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها، فإنها تنقلب إلى أضدادها.
-
- أن يصبر على أداء حقّ الله فيها ولا يضيعه فيسلبها.
-
- أن يصبر عن صرفها في الحرام.
16. لا يصبر على السراء إلا الصديقون، قال بعض السلف: (البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون)، وقال عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه: (ابتلينا بالضّرّاء فصبرنا، وابتلينا بالسّرّاء فلم نصبر).
17. ليس الشأن في فعل المأمور بل الشأن كلّ الشأن ألا ينسى الآمر حال الإتيان بأمره، بل يكون مستصحباً لذكره في أمره.
18. الصبر بعد الفراغ من العمل يكون من وجوه:
- أن يصبر نفسه عن الإتيان بما يبطل عملَه.
- أن يصبر عن رؤيتها والعجب بها.
- أن يصبر عن نقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية.
19. قد يُظهر الشيطان للعبد في مظان الشر بعض شيء من الخير ويدعوه إلى تحصيله، فإذا قربَ منه ألقاه في الشبكة والله أعلم.
20. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمعاذ، رضي الله عنه: "أمسك عليك لسانك" فقال: وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "وهل يُكبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
21. عن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجعك، فيقول: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد".
22. في الصحيحين عن النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما يصيبُ المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه".
23. في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دخل على امرأة فقال: "مالكِ ترفرفين؟" قالت: الحمى لا بارك الله فيها. قال: "لا تسبّي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد".
- ترفرفين: أي تنتفضين كالطير.
24. الطاعات ترفع الدرجات، والمصائب تحطَّ السيئات.
25. قال بعض السلف: (لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس).
26. قال عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه: ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوّضه خيراً مما انتزعه.
27. قال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر.
28. كل علمٍ كان أقرب إفضاءً إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه.
29. قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره، فالغني الشحيح صدقته أنفع له من قيام الليل وصيام النهار مثلاً.
30. متى أراد الله بالعبد كمالاً وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعدٌ له، قابل له قد هيء له فإذا استفرغ وسعه بزَّ (غلبَ) على غيره وفاق الناس فيه.
31. الفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجّام يستفرغ منك الدم المهلك.
32. ذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: اللهمَّ اجعلني من الأقلّين. فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الله قال: "وما آمن معه إلا قليل". وقال تعالى: "وقليلٌ من عباديَ الشكور". وقال: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ ما هم". فقال عمر: صدقت.
33. قال شريح: ما أُصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم: ألا تكون كانت في دينه، وألا تكون أعظم مما كانت، وأنها لا بدّ كائنة فقد كانت.
34. قال بكر بن عبد الله: ما قال عبد قط الحمد لله إلا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله، فجزاء تلك النعمة أن يقول الحمد لله، فجاءت نعمة أخرى فلا تنفد نعم الله.
35. قال سلمة بن دينار: كل نعمة لا تقرّب إلى الله فهي بليّة.
ما نقلته هنا ما هو إلا غيضٌ من فيض، وإلا فالكتاب غزير بالفوائد، رحمَ الله راقمه وقارئه.
تعليقات
إرسال تعليق